كَانَتْ هُنَاكْ حُجْرَةْ صَغِيرَةْ فَوْقَ سَطْحِ أَحَدِ المَنَازِلْ عَاشَتْ فِيهَا أَرْمَلَةْ فَقِيرَةْ مَعْ طِفْلِهَا "الصَغِيرْ" ...
حَيَاةً مُتَوَاضِعَةْ فِي ظُرُوفْ صَعْبَةْ.. إِلَّا أَنَّ هَذِهْ الأُسْرَةْ الصَّغِيرَةْ، لَيْسَ أَمَامَهَا إِلَّا أَنْ تَرْضَى بِقَدَرِهَا"
لَكِنْ أَكْثَرْ مَا كَانْ يُزْعِجْ الْأُمْ هُوَ الْمَطَرْ فِي فَصْلِ الشِّتَاءْ .. لِكَوْنْ الغُرْفَةْ تُحِيطُهَا أَرْبَعَةْ جِدْرَانْ وَلَهَا بَابْ خَشَبِي غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا سَقْفٌ
مَرَّ عَلَى الطِّفْلِ أَرْبَعَةْ سَنَوَاتْ مُنْذُ وِلَادَتِهْ لَمْ تَتَعَرَضْ الْمَدِينَة خِلَالَهَا إلَّا لِزَخَّاتْ مُتَقَطِّعَةْ مِنْ المَطَرْ،
وَذَاتَ يَوْمٍ تَرَاكَمَتْ الْغُيُومْ
وَامْتَلَأَتْ السَّمَاءُ بِالسُّحُبْ الْكَثِيفَة الوَاعِدَةْ بِمَطَرٍ غَزِيرْ .
وَمَعْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ الْأُولَى هَطَلَ المَطَرُ بِغَزَارَةٍ عَلَى المَدِينَةِ فَاخْتَبَأَ الجَمِيعُ فِي مَنَازِلِهِمْ، أَمَا الْأَرْمَلَة وَالطِّفْلْ فَكَانَ عَلَيْهِمَا مُوَاجَهَةْ قَدَرِهِمَا
نَظَرَ الطِّفْلُ إِلَى أُمِّهِ نَظْرَةً حَائِرَةْ وَأَخْتَبَأَ فِي حُضْنِهَا وَلَكِنْ جَسَدْ الْأُمْ وَالاِبْنْ وَثِيَابَهُمَا اِبْتَلَّا بِمَاءِ السَّمَاءْ الْمُنْهَمِرْ...
أَسْرَعَتْ اْلأُمْ إِلَى بَابِ الغُرْفَةْ فَخَلَعَتْهْ وَوَضَعَتْهُ مَائِلاً عَلَى أَحَدِ الجِدْرَانْ , وَخَبَّأَتْ طِفْلَهَا خَلْفَ البَابْ لِتَحْجِبَ عَنْهُ سَيْلَ المَطَرِ المُنْهَمِرْ...
فَنَظَرَ الطِّفْلُ إِلَى أُمِّهْ فِي سَعَادَةٍ بَرِيئَة وَقَدْ عَلَّتْ وَجْهِهِ اِبْتِسَامَةِ الرِّضَى وَقَالَ لِأُمِّه: تُرَى مَاذَا يَفْعَلْ الفُقَرَاءْ اَّلذِينَ لَيْسَ عِنْدَهَمْ بَابْ حِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهُمْ المَطَرْ
لَقَدْ أَحَسَّ الصَّغِيرُ فِي هَذِهْ اللَّحْظَةْ أَنَّهُ يَنْتَمِي إِلَى طَبَقَةِ الْأَثْرِيَاءْ .. فَفِي بَيْتِهِمْ بَابْ.
مَا أَجْمَلْ الرِّضَى.... إِنَّهُ مَصْدَرْ السَّعَادَةْ وَهُدُوءْ البَّالْ
يَقُولْ اِبْنْ القَيِّمْ عَنْ الرِّضَى: هُوَ بَابُ اللهِ الْأَعْظَمْ وَمُسْتَرَاحِ العَابِدِينْ وَجَنَّةِ الدُّنْيَا.
الَحْمُد لله اَّلذِي عَافَانَا وَأَهْلَيْنَا مِمَّا اِبْتَلَى بِهِ غَيْرَنَا وَفَضَّلْنَا عَلَى كَثِيرْ مِنْ خَلْقِهِ...